الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

أم الشّرائع.. وشريعة الغاب

لبنان منطلق الحرف ومهد الحضارات حيث تتوّج بيروت أمًا للشّرائع، بيروت التّي تحضن آلاف الشّهداء، كانت حياتهم و شهادتهم نعمَ محاولات ناجحة للحفاط على الحرّية والاستقلال.


* لبنان مهد الحضارت:
ولكن هذه الحضارات هجرت مهدها، وانطلقت الى العالم الأوسع والأرحب، حيث نالت من الإهتمام ما جعلها تغتني وتُغني بدورها، مجتمعًا حَضَنها وحافط عليها، في وقت بقيت المجتمعات العربية عامّة، واللبنانية خاصّة، جاثمةً في مكانها، بعضها يمجّد الأطلال، وبعضها الآخر يبكي ويتحسّر على ما مضى.

* لبنان أرض الشّرائع:
أمّ الشّرائع.. أمّ القوانين.. هكذا يسمّون بيروت التّي يسود فيها- منذ بدايات الحرب اللبنانية،وحتّى وقتنا الحاضر، مرورًا باحتلال شقيق دام حوالي ثلاثين عامًا- قانونُ غابٍ، أثمر ولادة نظام مُبْهم يحتاج، في كلّ محطّة مفصلية، الى تأويلٍ وتفسيرٍ وتحليلٍ لكلّ بندٍ في دستوره وقوانينه، والى تدخّل كلّ ذي رأي وسلطة للوصول الى حلّ مؤقّت، وتوافق مبهم أكثر من سابقه.
في أرض أول مدرسة حقوقية في التّاريخ، أُقيمت أكبر محكمة عرفية في التّاريخ العربي الحديث، أنْهت حياة عددٍ من المفكرين العرب الأحرار. وفي نفس الأرض، أغتيل رجل ساهم في إصلاح ما خلّفته الحرب من دمار وخراب، وحاول ترميم ما أضعفته من نفوس وعقول.
اغتالوا رفيق الحريري الذّي عمّر وعلّم وحمى المقاومة بغطاء دولي قل ّ نظيره. كما اغتالوا في السّابق المعلم كمال جنبلاط لأنّه كان وطنيًا عروبيًا.
واليوم قاموا بانقلاب على بعض من يمثّل الشّرعية المجتمعية، بعدما أغْوَوْا البعض، وهدّدوا من كان يقف رأس حربة في وجههم.

*لبنان منطلق الحرف:
من فينيقيا، انطلق الحرف. وفي بلاد الحرف، نجد آلاف المشرّدين والأميين من أطفالٍ وكهولٍ وعجزة.
بلاد الفينيقيين، الذّين صبغوا العالم بلون صدفة الموركس الأرجواني، اتشحت بالسّواد، حزنًا وحدادًا على عظماء، هاجروا أو اغتيلوا، ولم نعرف لهم قيمة  إلا بعد غيابهم.
بلاد الحضارات المتعاقبة التّي تعيد، في كلّ زمن، القصّة عيْنها و السّيناريو نفسه، وفي كلّ سيناريو، الخاسر واحد: الشّعب اللبناني،. وخاصّة الشّباب، الذّي يضحّي بروحه ومستقبله لتصفية حسابات الآخرين على أرضه، حسابات لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
حسابات، لو أدرك أصحابها أنّهم سيخسرون منذ البداية، لما دخلوا فيها، فالعديد من قَبْلهم حاول، وليس أوّلهم أو آخرهم رئيس الهيئة التّنفيذية للقوّات اللبنانية سمير جعجع، الذّي اعترف أنّه – وبعد التّجربة- تعلّم من أيّام الحروب والدّمار، أنْ لا قدرة لأحد على حكم لبنان فرديًأ، لكنّ هذا البلد لا يستطيع حمل تجارب كلّ من تسوّل له نفسه الوصول الى السّلطة، أو كلّ من يشعر بفائض قوّة وينتشي منه.

*لبنان الفلسفة والفكر والعبقرية:
من جبران وميخائيل نعيمة في الأدب، الى حسن كامل الصباح في الفيزياء، ثم غبريال يارد في الموسيقى، وصولا الى ميشال عبيد في مجال الأبحاث السّرطانية، يخسر لبنان مئات الآلاف من طاقاته التّي يصدّرها للخارج، غير مدرك قدرتها الهائلة على خلق الإبداعات كما غبر  قادر على فهم ما يمكن أنْ تعود عليه بالنّفع، المادي والمعنوي على حدّ سواء، وهذه الأسماء المذكورة آنفًا، ما هي إلا عيّنة ضئيلة من آلاف يكبرون كلّ سنة ويرحلون عن هذا الوطن الحبيب.
والفلسفة اليوم، حتى الفلسفة، أصبحت تبعية لأنظمة جائرة، “أكل الدّهر عليها وشرب”، أنظمة ديكتاتورية شمولية تتداعى وتتهاوى واحدة تلو الأخرى، فيمَ نحن نعود الى العصور الوسطى، الى العصور الأوروبية المظلمة، حيث تحولت حرّية الفكر الى ارتهان للغرب وعمالة لإسرائيل وتبعية لمؤامرة تُحاك ضدّ كلّ من يدّعي الممانعة والمقاومة، مفاوضًا العدو على أرضه وأسراه، معطّلا جبهاته من أعوامٍ صدأت خلالها الأسلحة والعقول والقلوب.

لبنان.. وطن لكلّ لبناني وليس لكلّ طائفة.

المصدر.. موقع siyese.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق