الأحد، 26 أغسطس 2012

باب التبانة وجبل محسن.. ونظرية القرود الخمسة


توقف تجدد الإشتباكات في طرابلس.. أم ربما لم يتوقف.. بل تمّ تأجيله الى مناسبة أخرى، أشدّ سخونة من الحالة، وأكثر احتياجا.. بالطبع مع استمرار القنص المتقطع في عاصمة لبنان الثانية.



باب التبانة وجبل محسن، منطقتان لا يذكرهما العالم إلا سويّا، وللأسف، لا يذكرهما الا مع بدء المناوشات بين أبنائهما، مناوشات تمتد الى ماضٍ بعيد، يفصل بينها هدوء حذر.. وشارع سوريا، الذي أصبح السبب الأساس في الخلاف، لأن الخلاف الأول زال بزوال أطرافه، واليوم تبنّت الأجيال الجديدة هذا الخلاف، فقط لأن "الآخر" على الجهة الأخرى من الشارع.

علم السلوك الاجتماعي فسّر هذه الظاهرة بـ "نظرية القرود الخمسة"، التي قام بها أحد العلماء ليثبت أنّ الغريزة والتعلّم أساسيّان في السلوك. وما يلي يعرض النظرية عرضا موجزًا لمن لا يعرفها:

نظرية القرود الخمسة:

""أحضر أحدهم خمسةَ قرود ووضعها في قفص، وعلق في منتصف القفص حزمة موز، ووضع تحتها سلماً، بعد مدة قصيرة حاول قرد من المجموعة اعتلاء السلم محاولا الوصول إلى الموز، وما إن وضع يديه على الموز أطلق رشاش من الماء البارد على القرود الأربعة فأرعبها..

بعد قليل حاول قرد آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز، وتكرَّرت نفس العملية ورُش بقية القرود بالماء البارد، وتوالت القرود بالمحاولة ليصاب الآخرون بالماء البارد.

بعد فترة، وعند محاولة أي قرد الوصول إلى الموز، بدأت القرود الأخرى بمنعه، خوفًا من اماء البارد.

بعد هذا، قام هذا العالِم بإبعاد رشاش الماء البارد، وأخرج قردا من الخمسة إلى خارج القفص ووضع مكانه قردا جديدا لم يعاصر تجربة الماء البارد ولم يشاهدها، بالتالي توجه فور دخوله الى السلم لقطف الموز، فهبّت المجموعة المرعوبة من الماء لمنعه وهاجمته، وبعد أكثر من محاولة تعلم هذا القرد أنه إذا حاول قطف الموز سينال نصيبه من الضرب.

واستمرت العملية حتى تم استبدال كل القرود القديمة بالجديدة واحدًا تلو الآخر، ونرى أن القرود الموجودة في الداخل تشارك في ضرب القرد الجديد، على الرغم من أنها لم تعاصر رش الماء البارد، ولا تدري لماذا تمّ ضربها في السابق.. كما أنها لا تدري لماذا تضرب القرد الجديد..!!""

هذه النظرية تنطبق على كل اللبنانيين، وبالطبع علينا أن نضيف إليها قضية الثأر التي لا تنته مع الأجيال الحاضرة أو الماضية.. بل تمتد الى مستقبل مجهول، يضيّع حياة العديد من أبناء منطقة "عاطلة عن العمل" منذ قيامها.. منطقة تحتاج الى اهتمام ورعاية مفقودة، كي تبتعد عن أن تكون مكتب بريد للرسائل الداخلية والإقليمية.

الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

الجيش اللبناني.. عالأرض يا حكم


"اللي بيغيّر عادتو.. بتقلّ سعادتو".. مثل لبناني يطبّق على جميع شرائح هذه البقعة من المنطقة العربية التي تسمّى لبنان.


نبدأ برئيس الجمهورية، الذي تذكر اليوم، بعد حوالي أسبوع على بروز "الجناح العسكري لعشيرة آل المقداد" على الساحة الأمنية، تذكّر أن عمليات الخطف أمر مرفوض.. واكتفى فقط بهذا التصريح..

لكن للأمانة، موقفه الجديد من النظام في سوريا يحسب له، فهو أول رئيس جمهورية بعد الحرب يجاهر بهكذا موقف!!

رئيس الحكومة، الذي من شأنه ووظيفته التي ندفع له معاشه من أجل القيام بها هي متابعة الأحداث على أرض الواقع، لم يقطع عمرته كي يسأل عن هذا الجناح الطائر الذي حمل البلد الى المجهول.. كما أنّه لم يعكّر صفو عطلته على العيد، ليعمل على تهدئة الوضع الأمني الذي استشرى في مدينته الأم طرابلس، بل انتظر حتى ظهر اليوم كي يدعوأهل المدينة "المسالمين" الى التحلي بالحكمة وعدم الإنزلاق في نيران المنطقة"..

يا معالي الوزير: ليس الأهالي المسالمين من قام بالمعارك، بل هم غير المسالمين.. فالمسالمون يتضرّرون نفسيًّا وجسديا من هذه المعارك، ولا من يسأل.

رئيس مجلس النواب، "معيّد وما على بالو بال".. وينتظر افتتاح الدورة العادية لمجلس النواب حتى يوقف الجلسات.

حضرات الوزراء والنواب، يسبّون بعضهم ويركبون على ضهر الشعب، ويقبضون معاشاتهم في آخر الشهر، حتّى بعد أن يستعيد ربّهم أمانته. "هيدا إذا كان عندن رب"!!

قوى الأمن، التي يتبع كلّ شعبة وفرع منها فريقا سياسيا، لا بتهشّ ولا بتنشّ، وكلّ يغطّي على هفوات ومشاكل الآخر.

الجيش اللبناني، الذي أثبت بسالته في معارك "نهر البارد"، لا يملك الغطاء السياسي اليوم ليتدخّل في الصراعات "السياسية - الأمنية - العسكرية"، بل إنّ كل ما يستطيع فعله هو الوقوف والإحتماء من أمطار الرصاص والقذائف التي تسقط عليه..

كما أنّه لا يستطيع الوصول الى مكان آل المقداد المعروف، لأنّهم يملكون غطاءاً مقاوماتيًا صاروخيًا لا يستطيعون مجابهته..

ولأنّ لبنان هو "المحافظة الخامسة عشر" في "الأمة العربية السورية"، لا يستطيع الجيش اللبناني الرد على إطلاق النار السوري على الجانب اللبناني من الحدود، ولا حتى تقديم شكوى الى مجلس الأمن أو احتجاجا الى سوريا، ردًّا على هذه التعديات..

هذا الجيش ما زال يتعامل مع الصراع الموجود في باب التبانة على أنه خلاف عابر بين ولدين على "الكلة"، لكن أريد تذكير القيمين على هذا الجيش أنّ حرب 1860 بين الدروز والموارنة في جبل لبنان، قامت بسبب خلاف الأولاد على "الكلة"، ويجب علينا دائمًا تذكّر الماضي..

هذا  الجيش هو جيش كل اللبنانيين، وهو من عليه واجب حمايتهم والدفاع عنهم.. لكن إن كان هذا الجيش غير قادر على حماية الناس، لا يستطيع أن يسلّم القيادة الى عشائر وأجنحة عسكرية وحركات تقضي على ما تبقّى من الأمن والطمأنينة، في بلد يقوم على "18 إجر كرسي"، إذا انكسر أحدها.. ستقع الكرسي.

الاثنين، 13 أغسطس 2012

سَماحَةَ الخائن.. واستئصال الخاصرة الرخوة



بدأت اليوم أولى جلسات محاكمة ميشال سماحة، المواطن اللبناني الأصل، السوريّ الإنتماء. سماحة الذي لطالما كان يحذّر من مجموعات ارهابية تهدف للنيل من البلد، مشدّدا على أنّه يملك مستندات ولا يتكلّم من فراغ، تبيّن أنّه صادق، لم يكذب بشأن المستندات لأنه المشرف عليها، ولم يكذب بشأن المجموعات لأنه يديرها.



حلفاء سماحة، الذين لم يوفروا مناسبة الا واتهموا فيها فريق 14 آذار بالعمالة والسعي الى تخريب البلد، وبأنهم يصفّون بعضهم داخليا كي يتهموا فريق 8 أذار، لم يتنطّحوا للدفاع عنه، الا قلة تمثّلت بمحمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة التي اعتبرت كلامه فرديا ولا يمثلها، الى بعض الصحفيين الذين هم على درب سماحة سائرون.

حلفاء سماحة، فاتهم مضمون أن الرجل متّهم بالخيانة ومحاولة تفجير المجتمع اللبناني، ومحاولة اغتيال البطرك الراعي، وربّما – من باب الاجتهاد والتحليل – ارتباطه باغتيالات ومحاولات اغتيال سابقة، وشدّدوا على أنّ "فرع المعلومات" غير شرعي، وعلى أنّ عناصر الفرع كسروا الباب، ودخلوا ملثمين، ولم يعطوا سماحة خبرًا بأنهم قادمون للقبض عليه – ربما كي تتسنى له الفرصة أن يهرب.

حلفاء سماحة، خاصة سيّد الضاحية، لم يتبرّع بكلمة واحدة عن صديق دربه على طريق الشام، ربّما لأنّه يعرف مسبقًا أنّ بضاعة سماحة المستوردة موقوتة، وليست فقط كلاما وأوامر.. أو لأنّه يريد الحفاظ على خط العودة، بعد شعوره بتهاوي نظام سيّده الأسد.

حلفاء سماحة، وللأمانة، تفوّق عليهم جنرال الرابية الأشمّ، فلم ينس دعم سماحة له في محنة عميله فايز كرم، الذي سكت عنه من يتّهم كل من لا يسير على خطاه بالعمالة، فقط بسبب ورقة تفاهم اصفرّت وسقطت.. فتنطّح سماحَةَ الخائن للدفاع عنه، لأنّه زميل الكار.

كرم كان عميلا لإسرائيل – الدولة العدوة الغاصبة – وحكم عليه بثلاث سنوات.. واليوم سماحة عميل لدولة "شقيقة"، فهل يفرج عنه لأنّه كان يحاول "استئصال الخاصرة الرخوة" لشقيقته؟؟ سؤال يبقى برسم الوقت للإجابة عليه، مع التنبّه الى أنّ اكتشاف أفعال سماحة تجعلنا شبه متيقّنين أنّ قنابل سورية في لبنان (أمثال وئام وهاب، وناصر قنديل، وغالب قنديل، ونصري خوري، وجوزيف أبو فاضل وغيرهم.. وعفوا اذا نسيت حدا)، هذه القنابل لم تعد تقنعنا أنّها قنابل صوتية فقط، بل إنّ وظيفتها تتعدى الصراخ والشتائم الى التصفية.

الجمعة، 3 أغسطس 2012

شبه دولة توافقية.. بالتراضي

تقوم الدولة على تطبيق قانون واضح وعادل، يطبّق على جميع المواطنين سواسية، ويقوم نظام الدولة على مجموعة من القواعد التي تحكم المجتمع. لكنّ الدولة اللبنانية – إن امكننا أن نسميها دولة – لا تراعي شعبها، ولا هيبتها، فقانونها يحتمل التأويل والتحريف، ويعلّم الشعب على اللف والدوران، ويقول المثل "الرزق السايب بيعلّم الناس الحرام".

فـ"لبنان"، شبه دولة بامتياز، لأن حجمه لا يحتمل ان يقسّم الى دويلات، ولأنه لم ينل بعد – منذ نشأته – مقومات الدولة القوية القادرة. فشبه الدولة هذا هو ما نطمح لأن نجعله دولة قوية، ووطنًا لجميع أبنائه، وطنًا نعتزّ به في المهجر كما نعتزّ بأبنائه الذين رحلوا عنه.

في شبه الدولة اللبنانية، يطبّق القانون حسب المحاصصة، والواسطة، والظروف السياسية..

في شبه الدولة اللبنانية، تعوّد اللبنانيون على قطع الطرقات لأتفه الأسباب، كما تعوّدوا على قطع الكهرباء..

في شبه الدولة اللبنانية، يخرج العميل معزّزًا مكرّمًا، ويُطلب إخلاء سبيل "البطل"، ويقفل العمال شركة الكهرباء، ويقفل الأسير طريق الجنوب..

في شبه الدولة اللبنانية، يتردّد وزير الخارجية بتوجيه كتاب لسفير دولة لأنه وحزبه يخاف من ردة فعل هذا السفير وأزلامه في لبنان، أو لأنه من أزلامه..

في شبه الدولة اللبنانية، لا كهرباء، لا مياه، لا طرقات، والسلطات تنهب أموال المواطنين لقاء خدمات غير صالحة للعمل..

في شبه الدولة اللبنانية، حلم كل شاب لبناني باب سفارة دولة أجنبية، تنقله من عيشة ذل الى نعيم مزيف، لأن من يترك وطنه لا وطن له..

هذه عينة من عدة مواضيع تقلّل من هيبة الدولة، وتجعل كل من يطمح الى عيشة هانئة هادئة يهرب الى مكان يجد فيه نفسه ويحقّق طموحاته.. فإلى متى سنبقى نخسر شبابنا وأدمغتنا وعناصر قوتنا البشرية بسبب تعنّت أهل السياسة وعدم التفاتهم الى مصالح شعبهم واحتياجاته؟؟ والى متى ستبقى حال اللبناني مرتبطة بمواقف سياسيّيه الذي يعوّلون على حاجة الشعب كي يبقى تابعًا لهم؟؟ والى متى سيبقى الأمن وقانون الإنتخاب والكهرباء والمياه والهاتف وغيرها من المواضيع الحيوية تعامل بالتراضي؟؟ والى متى ستبقى الحكومات "توافقية" تشدّد على "التعايش" وتوقف عجلة الدولة بسبب ربط المواضيع الحيوية بالتجاذبات السياسية؟؟ 

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

بين حفظ الداتا وتسيّب المعلومات.. خصوصيتنا تضيع


بين السياسة والكيد والمصالح تتنقّل مواقف السياسيين اللبنانيين، فمن وقف ضد مرور خطوط التوتر العالي فوق رؤوس المتنيّين في الماضي، بات اليوم يريد تمريره بأيّ وسيلة ممكنة، لأنّ مصلحته تقضي بذلك.. ومن كان يعارض بيع الأراضي لغير اللبنانيين بات السمسار الأول والمميز في المنطقة.


وتماشيًا مع قانون النسبية الذي أتحفنا به العالم الألماني "ألبرت أينشتاين"، يتعامل سياسيونا اللبنانيون مع المعطيات السياسية المحلية والخارجية بنسبية واضحة.. فمن أحقية انقلاب النظام في مصر وتونس وليبيا، الى عدم اعتبار الحقوق المدنية للمواطنين السوريين والبحرينيين والسعوديين حقًّا لهم، تتراوح مواقف "ملوك الطوائف" بين القبول والرفض، بحسب المعايير المتاحة امامهم والظروف المحيطة بهم.

أمّا في الشأن اللبناني، يتعامل القادة اللبنانيون مع المسائل الداخلية باعتبارها حقًّا لهم، دون أن يقيموا اعتبارًا للمواطن، ولا رأيه، ولا مصلحته. ففي دولة لا كهرباء فيها ولا مياه، وأسعار المحروقات فيها ترتفع يومًا بعد يوم، وحوادث السير الى ازدياد بسبب الطرقات المدمّرة، ونسبة الهجرة تكاد تتخطّى الـ 100%، والى ما هنالك من قشّ يقصم ظهر المواطن يومًا بعد يوم.. يجهد السياسيون اللبنانيون لصرف نظر المواطن عن لقمة عيشه، وتلهيته بالخلافات البيزنطية العقيمة التي لا تنتهي الى نتيجة.

ففيما تجهد بعض القوى السياسية للحفاظ على عذرية "الداتا الإلهية"، في بلد المستور فيه مكشوف والحقيقة مخبّأة، تقوم بعض الشركات الربحية بالتعاطي مع خصوصيات المواطنين باستخفاف معلن، فتقوم بارسال رسالة نصية قصيرة فحواها: "شو ما كان الرقم، صار فيك تعرف مين صاحبو. اتصل على 1413.. عملائنا بانتظارك 1$".

خرجت هذه الظاهرة الى العلن مرّة في عهد وزير الداخلية زياد بارود، فقام بوقف هذه الخدمة من الشركة بقرار قضائي، وبقيت الخدمة في تداول سري أو غير معلن لدى بعض الأشخاص.

أمّا اليوم، وعلى عهد التيار الذي لا يريد كشف خصوصية اللبنانيين من خلال تسليم داتا الإتصالات الى الجهات الأمنية والقضائية المختصة، أطلقت هذه الشركة خدمة تخوّل المشترك فيها من معرفة صاحب رقم السيارة أو الهاتف الذي يريد، والتطفل على خصوصياته.

ويبقى السؤال، أين وزراء الداخلية والاتصالات وقوى الأمن والقضاء من هذا التخطي لحدود القانون والحرية الشخصية والخصوصية الأمنية؟

أين وزير الإتصالات ولجنة الإتصال والإعلام من هكذا تجاوزات، وأين الجهات القضائية التي تراقب وتحاسب من يتخطى القوانين ويلتفّ عليها؟

كنّا نعتقد أنّنا نعيش في مزرعة مبعثرة، ولا بد أن يأتي اليوم الذي تصطلح فيه.. أمّا اليوم فقد تأكّد أنّنا نعيش في "تايتانيك"، اصطدمت منذ نشاتها بجبل جليد، وبدأت تغرق رويدًا رويدًا.. والجميع ينتظر لحظة سقوطها بالكاملن كي يستولي على مغانمها.